بقلم المهندس/ طارق بدراوى
حي جاناكليس من الأحياء الراقية في مدينة الإسكندرية العاصمة الثانية لمصروهو يقع في منطقة الرمل بين أحياء زيزينيا وباكوس ولوران وسان ستيفانو ويضم محطة ترام جاناكليس ويرجع تاريخ تسمية الحي بهذا الإسم نسبة إلي نيكولا بيراكوس الشهير بجاناكليس اليوناني الجنسية الذي كان من أوائل سكان هذا الحي وأول من بني فيه قصرا لسكنه والذى كان يمتلك مزارع شاسعة للعنب وكذلك مصانع للتقطير في منطقة أبو المطامير التي تقع جنوبي الإسكندرية ولها مدخل من علي طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى والتابعة حاليا لمحافظة البحيرة وكان له أيضا في تلك المنطقة قصرا فاخرا يتكون من 6 طوابق قام ببنائه وسط مزارعه عام 1948م علي الطراز الإيطالي وكان به عدد 366 نافذة بعدد أيام السنة …..
وايضا كان من مشاهير سكان هذا الحى الآنسة صافيناز يوسف ذو الفقار التي أصبحت الملكة فريدة ملكة مصر السابقة والزوجة الأولي للملك فاروق آخر ملوك مصر والتي تزوجها في شهر يناير عام 1938م حيث كان لوالدها يوسف باشا ذو الفقار قصر بالحى تهدم مع مرور الزمن بسبب الإهمال ويوسف باشا ذو الفقار كان مستشارا بمحكمة الإستئناف المختلطة بالإسكندرية وقت خطبة الملك فاروق لإبنته وينتمي يوسف باشا ذو الفقار إلى عائلة عريقة ذات أصول تركية شركسية وهي عائلة ذو الفقار وقد قدم أسلافه إلي مصر في عهد محمد علي باشا والي مصر في بدايات القرن التاسع عشر الميلادى وإستقروا بها حتى أصبحوا من طبقة الأسرالمصرية الأرستقراطية وهو نجل على باشا ذو الفقار المحافظ الأسبق للقاهرة عاصمة مصر وحفيد يوسف بك رسمي أحد كبار ضباط الجيش المصري في عهد الخديوي إسماعيل وكان قد حصل على شهادة القانون من المدرسة الخديوية وإلتحق بالقضاء وأخذ يترقي حتى أصبح نائبا لرئيس محكمة الإستئناف المختلطة بالإسكندرية وقد تزوج يوسف باشا ذو الفقار من زينب هانم ذو الفقار إبنة محمد سعيد باشا رئيس الوزراء الأسبق لعدة مرات أيام السلطان فؤاد قبل أن يصبح الملك فؤاد وهي شقيقة الفنان التشكيلي محمود سعيد ورزقوا بعدد 3 أبناء أنثى + 2 ذكور وهم صافيناز وهي الكبرى وولدت عام 1921م ومحمد سعيد وولد عام 1926م وشريف وولد عام 1931م وكانت زينب هانم ذو الفقار وصيفة للملكة نازلي أم الملك فاروق وقد شجعت الملكة نازلي إبنها فاروق على الزواج من صافيناز بعد إعتلائه عرش مصر عام 1936م وقد تم الزفاف على الرغم من قلق والدها يوسف باشا من مستقبل إبنته كجزء من العائلة المالكة وخوفه من تبعات هذا الزواج فقد كان ينظر إليها بأنها مازالت طفلة حيث كانت في سن 16 عاما تقريبا وقت الخطبة وبعد إلحاح وافق على الخطبة على أن تمتد الخطبة لسنوات ويكون الزواج بعد ذلك لكن الملك فاروق صمم على أن يتم الزواج بسرعة وأن مدة ستة شهور كافية للإعداد للزواج وبعدها يتم عقد القران وأنعم الملك فاروق بلقب الباشاوية على والدها في يوم 25 أغسطس عام 1937م قبل حفل الزفاف الذي أقيم في يوم 20 يناير عام 1938م بقصر القبة بالقاهرة وبعدها تم تعيين يوسف باشا ذو الفقار كأول سفير مصري لدى إيران في يوم 13 مارس عام 1939م ويأتي هذا التعيين بعد أن تطورت العلاقات الدبلوماسية المصرية الإيرانية إلى درجة السفراء كما كان قد تم الإتفاق علي إقامة علاقة مصاهرة بين الملك فاروق والعائلة المالكة الإيرانية حيث تمت خطبة شقيقته الأميرة فوزية إلي ولي عهد إيران الأمير محمد رضا بهلوى فكان من ضمن مهام يوسف باشا ذو الفقار في إيران التحضير والتجهيز لإستقبال الأميرة فوزية التي تزوجت من ولي عهد إيران الأمير محمد رضا بهلوي في يوم 16 مارس عام 1939م وبعد إندلاع الحرب العالمية الثانية في شهر سبتمبر عام 1939م تواصل يوسف باشا ذو الفقار سرا مع ممثلي قوات المحور في طهران فقد كان الملك فاروق والعديد من المصريين في نفس الوقت متعاطفين مع ألمانيا النازية ضد بريطانيا على أمل أن إنتصار المحور قد يضع نهاية للإحتلال البريطاني لمصر الذي إستمر لعقود طويلة وأبلغ يوسف باشا ذو الفقار الوزير المفوض الألماني في طهران تعاطف مصر مع ألمانيا وإحترام الملك للزعيم النازي أدولف هتلر وكانت المهمة الأخطر له في منصبه كسفير في إيران في يوم 29 يونيو عام 1941م عندما أرسل للألمان خطابا من الملك فاروق يحتوي على تفاصيل دقيقة للغزو البريطاني السوفيتي لإيران الأمر الذى تحقق بالفعل ودخلت القوات الأنجلو سوفيتية صوب العاصمة الإيرانية طهران لتدخلها في يوم 17 سبتمبر عام 1941م وتلقي القبض على الشاه رضا بهلوي في اليوم التالي لدخولها المدينة وتخلعه عن العرش وترسله إلى منفاه بجنوب أفريقيا تاركا نجله محمد رضا بهلوي خليفة له على العرش وبعد تلك الأحداث كان لابد من تغيير السفير المصرى بإيران فتم إنهاء خدمة يوسف باشا ذو الفقار كسفير لمصر لدى إيران وتعيين عبد الوهاب باشا طلعت بدلا منه ……
كما كانت منطقة جاناكليس أيضا محلا لإقامة محمد أحمد فرغلي باشا والذى كان أحد كبار رجال الأعمال في مصر قبل ثورة يوليو عام 1952م وصاحب شركة فرغلي إحدى أكبر وأنجح شركات القطن في تاريخ مصر ولذلك كان يلقب بملك القطن في مصر هكذا كان يطلق عليه نظرا لأنه كان أشهر تجار القطن في مصر كلها وقد ولد فرغلي باشا في أسرة من كبار تجار الحبوب والقطن تنتمي في الأساس إلى مدينة أبو تيج بمحافظة أسيوط حاليا وكانت قد إستقرت في الإسكندرية وتلقى تعليمه الأولي في مدرسة الجزويت الفرنسية ثم إلتحق بكلية فيكتوريا ثم سافر إلى إنجلترا لإستكمال دراسته في مدرسة لندن للدراسات الاقتصادية غير أن مرض أبيه إضطره للعودة إلى مصر لتحمل أعباء العمل التجارى للعائلة وبعد عودة فرغلي باشا من إنجلترا قرر أن يخوض تجربة تصدير القطن وكان المحصول الرئيسي الذى يعتمد عليه الإقتصاد المصرى حينذاك إلي الخارج منافسا الأجانب الذين كانوا يحتكرون تصديره من مصر منذ أيام محمد علي باشا ولمدة حوالي 100 عام ووافق فرغلي الأب بعد إلحاح شديد من فرغلي الإبن وبدأت رحلة ملك القطن مع التصديرفي منتصف عشرينيات القرن العشرين الماضي غير أن فرغلي الإبن تكبد في صفقته الأولى خسارة فادحة بلغت أكثر من أربعة آلاف جنيه وكان مبلغا كبيرا في ذلك الوقت لكنه تعلم الدرس من الخسارة وأخذ يتقدم خطوة وراء خطوة لتصعد حصته في تصدير القطن من ربع في المائة من المحصول المصري إلى 15% من جملة المحصول المصري بعد حوالي عشر سنوات من بداية نشاطه التصديري محتلا بذلك المركز الأول في قائمة مصدري القطن في مصر وقد أدى نجاحه في هذا المجال إلي دفع وتشجيع الكثير من المصريين علي إقتحام هذا المجال الذى كان مغلقا وحكرا علي الأجانب دون غيرهم وفى عام 1935م إنتخِبَ محمد أحمد فرغلى وكيلا لبورصة مينا البصل بالإسكندرية وكان أول مصرى ينهى سيطرة الأجانب الطويلة على المناصب القيادية في البورصة وفى مقابلة مع ملك مصر في ذلك الوقت الملك فؤاد الأول بعد إنتخابه صافحه الملك وودعه مخاطبا إياه بكلمة بك ولما كان نطق الملك ساميا لا عودة فيه في تلك الأيام فقد حاز محمد أفندى أحمد فرغلى علي رتبة البكوية وصار محمد بك أحمد فرغلي وفى عام 1941م فى ظل وزارة حسين سرى باشا حصل محمد بك أحمد فرغلي على رتبة الباشاوية وأصبح بذلك محمد باشا أحمد فرغلي …..
ولازالت منطقة جاناكليس تحتفظ برونقها وتراثها المعمارى التاريخي إلي حد ما من قصور وفيلات فاخرة تم بناؤها علي الطرز المعمارية التي كانت سائدة في ذلك الوقت وبالذات الطراز الإيطالي والطراز الفرنسي حيث كان معظم تصميمات تلك القصور والفيلات من تصميم بعض المهندسين الأجانب الذين عملوا وذاعت شهرتهم في مصر في ذلك الوقت وعلي رأسهم المهندس المعمارى الإيطالي الشهير أنطونيو لاشياك وقد سكن تلك القصور والفيلات صفوة أثرياء المجتمع في مصر قبيل ثورة عام 1952م وذلك رغم حالتها الباهتة التي باتت عليها في وقتنا الراهن وهجرة الكثير من الأجانب الذين كانوا يسكنون بها وتفرق العائلات الكبيرة التي كانت تسكن بها أيضا حيث لا يزال يوجد بالمنطقة العديد من الفيلات والقصور الجميلة الموجودة ولم تهدم حتى الآن والتي يعود تاريخ إنشائها إلي أكثر من 75 عاما على الأقل …..
ومن أشهر معالم هذا الحي نجد مجمع متاحف الفنان محمود سعيد وهو يضم 3 متاحف هي متحف الفنان محمود سعيد ومتحف الفنانين سيف وأدهم وانلي ومتحف الفن المصري الحديث وقد تم إفتتاحه بقصر محمود سعيد الكائن بحي جاناكليس عام 2000م بحضور فاروق حسني وزير الثقافة المصري آنذاك والفنان محمود سعيد فنان تشكيلي مصري من مواليد الإسكندرية في يوم 8 أبريل عام 1897م وقد توفي في يوم 8 أبريل عام 1964م ويعد من أوائل مؤسسي المدرسة المصرية الحديثة في الفنون التشكيلية وهو من أكثر الفنانين المصريين الذين كتبت عنهم دراسات عن حياته وأعماله ومن أشهر أعماله ولوحاته الدراويش والشادوف والمدينة وبنات بحري وبائع العرقسوس وبنت البلد والشحاذ وذات الرداء الأزرق وذات الجدائل الذهبية والخريف وأيضا لوحة إفتتاح قناة السويس التي تصور وتسجل الحدث التاريخي لإفتتاح قناة السويس في عهد الخديوى إسماعيل كذلك قام برسم أشخاص من أفراد عائلته وأصدقائه فهناك صورة خالدة للملكة فريدة وهي في مراحل عمرها الأولى حيث أنه كان خالها أى شقيق والدتها زينب هانم ذو الفقار وفي شهر أبريل عام 2010م بيعت لوحته الدراويش عن طريق صالة مزادات كريستيز العالمية بمبلغ حوالي 2.5 مليون دولار وفى وقت بيعها سجلت كأغلى لوحة رسمها فنان من الشرق الأوسط في العصر الحديث وكان قد رسم هذه اللوحة في عام 1935م …..
…..